الحمد لله رب العالمين، وبعد:
يستحب التكبير المطلق؛ وهو الذي لا يتقيد بوقت، فيستحب كل وقت وفي كل حال؛ في الليل والنهار، قبل الصلاة وبعدها، في كل مكان يجوز فيه الذكر؛ كالمساجد والطرقات والبيوت.
ويتأكد في أوقات خاصة:
الأول: ليلة عيد الفطر من رمضان:
لقوله تعالى : {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [ البقرة: 185] وإكمال عدة رمضان بغروب شمس آخر يوم منه.
ويكبر حين يخرج إلى صلاة العيد؛ فعن نافع أنَّ ابن عمر كان يخرج إلى العيدين من المسجد فيكبر حتى يأتي المصلى ويكبر حتى يأتي الإمام، رواه ابن أبي شيبة (2/164) والفريابي في أحكام العيدين (46) بإسناد حسن.
وينتهي التكبير بانتهاء الصلاة والخطبة؛ ففي إحدى روايات حديث أم عطية: "... حتى نخرج الحيض فيكنَّ خلف الناس؛ فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم؛ يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته" رواه البخاري (971) ومسلم (890).
الثاني: ليلة عيد الأضحى:
قياسًا على ليلة عيد الفطر.
الثالث: عشر ذي الحجة:
فعن محمد بن أبي بكر الثقفي قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية؛ كيف كنتم تصنعون مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كان يلبي الملبي لا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه، رواه البخاري (970) ومسلم (1285).
فالصحابة رضوان الله عليهم - وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم - يكبرون يوم عرفة، ويوم عرفة من العشر، ووردت أحاديث مرفوعة في التكبير أيام العشر وآثار موقوفة على الصحابة - رضي الله عنهم - لا تخلو من ضعف. لكن كثرة ما ورد يدل على أنَّ للتكبير في أيام عشر ذي الحجة أصلاً؛ لا سيما حديث أنس رضي الله عنه وهو في الصحيحين. لذا قال ابن رجب في فتح الباري (9/9): "ومن الناس من بالغ وعده من البدع ولم يبلغه ما في ذلك من السنة".
الرابع: أيام التشريق:
يكبر فيها تكبيرًا مقيدًا بأدبار الصلوات المكتوبات؛ صلاها الشخص جماعة أو منفردًا؛ أداءً أو قضاءً، وكذلك النوافل للرجال والنساء لعموم الأمر بالذكر وعدم وجود المخصص. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يكبرون أدبار الصلوات المكتوبات؛ فعن عبيد بن عمير قال: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يكبر بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق، رواه الحاكم (1/299) وصححه. وإسناده صحيح.
وعن عكرمة عن ابن عباس أنَّه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق لا يكبر في المغرب: الله أكبر كبيرًا الله، أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجل الله، أكبر ولله الحمد"، رواه ابن أبي شيبة (2/167) وعنه ابن المنذر (4/301) وإسناده صحيح. وصححه الحاكم (1/299) وصحح إسناده الألباني في الإرواء (654).
فالمعوَّل على ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في بداية التكبير ونهايته أيام التشريق، أما الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تصح.
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/22): "ليس فيه حديث مرفوع صحيح". وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/462): "لم يثبت في شيء من ذلك - أي بداية التكبير ونهايته - عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث" أ هـ.
وأجمع أهل العلم في الجملة على مشروعية التكبير عقب الصلوات في أيام التشريق.
وكذلك يسن التكبير المطلق في غير أدبار الصلوات؛ لقوله تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [ البقرة: 203]، والأيام المعدودات أيام التشريق.
وعن نبيشة الهذلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله"، رواه مسلم (1141)، ومن الذكر التكبير المطلق.
وعن عبيد بن عمير قال: كان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا"، ورواه الفاكهي في أخبار مكة (4/259) والبيهقي (3/312) بإسناد صحيح صححه ابن كثير في تفسيره (1/245). فكان عمر رضي الله عنه يكبر بمنى أيام التشريق في غير أدبار الصلوات، والناس كانوا يكبرون بتكبير عمر رضي الله عنه حتى ترتج منى تكبيرًا.
والتكبير المطلق والمقيد في أيام التشريق هو الذي عليه عمل السلف، ونصَّ عليه الإمام الشافعي، وهو ظاهر اختيار البخاري والحافظ ابن حجر، وقال به ابن حزم وابن قدامة والشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ محمد العثيمين.
انظر: الأم (1/241) والمجموع (5/36) وفتح الباري لابن رجب (9/21ـ30) وفتح الباري لابن حجر (2/462) والمحلى (5/91) والمغني (2/258) والكافي (1/236) والمختارات الجليلة ص: 73 والشرح الممتع (5/222).
وتكبير الصحابة رضي الله عنهم أدبار الصلوات أيام التشريق لا يدل على أنَّه لا يشرع في غير هذا الموطن؛ فقد كبروا رضي الله عنهم في غير أدبار الصلاة.
صفات التكبير الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخصوص التكبير في العشر ضعيف، لكن ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم صفات متنوعة:
1- الله أكبر الله أكبر مرارًا:
فعن أبي عثمان النهدي قال: كان سلمان - رضي الله عنه - يعلمنا التكبير؛ يقول: كبروا الله، الله أكبر الله أكبر مرارًا، اللهم أنت أعلى وأجل من أن تكون لك صاحبة، أو يكون لك ولد، أو يكون لك شريك في الملك، أو يكون لك ولي من الذل، وكبره تكبيرًا، الله أكبر تكبيرًا اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا"، [جامع معمر بن راشد (20581) بإسناد صحيح. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/462)].
2- الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد:
فعن الأسود قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من النحر يقول: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد" رواه ابن أبي شيبة (2/165) وابن المنذر في الأوسط (4/304) بإسناد صحيح. وصححه الحاكم (1/299) وصحح إسناده الألباني في الإرواء (654).
3- الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد:
فعن عكرمة عن ابن عباس أنَّه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب: "الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد". وتقدم.
وعن ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بكرة وأصيلاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: عجبت لها فتحت لها أبواب السماء، قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، رواه مسلم (601) عن ابن عمر - رضي الله عنهما.