الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد اطلعت على رسالة توسَّع كاتبها في التيسير في أعمال الحج ، سماها : " افعل ولا حرج " ، استكثر فيها من التقريظات لها حتى أوشكت أن تساوي حجمها ، إذ بلغت التقريظات ( اثنتين وأربعين صفحة ) من جملة صفحاتها البالغة ( اثنتين ومائة صفحة ) ، ومن اطمأن إلى كتابته لا يحتاج إلى الاستكثار من التقريظات .
وقد رأيت التنبيه على أمور فيها نصحًا لكاتبها ولغيره ممن يطلع عليها :
التسمية باسم ( الإسلام اليوم ) تسمية غير سليمة
الأول : ذكر كاتبها أنها نُشرت في موقع ( الإسلام اليوم ) ، وفي بعض الصحف السيارة ، ووضع على غلاف الرسالة : ( 16 : كتاب الإسلام اليوم ) ، وهذه التسمية عجيبة غريبة ، فإن الإسلام هو الإسلام : اليوم وبالأمس وغدًا ، ولا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، ولا شك أن الحق والهدى في كل زمان ومكان فيما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
قال الإمام مالك - رحمه الله - : ( لا يُصلح آخر هذه إلا ما أصلح أولها ) عَزاه إليه القاضي عياض في " الشفا " : (2/72) ، وابن تيمية في " مجموع الفتاوى " : (1/231) .
وذكر الشاطبي في " الاعتصام " : (1/28) أن ابن الماجشون قال : سمعت مالكًا يقول : ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة ، لأن الله يقول : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دًينَكُمْ ، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا ) .
وما أجمل هذه الكلمة للإمام مالك - رحمه الله - ، وهي قوله : ( فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا ) ، والمعنى أن ما لم يكن دينًا في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يكون دينًا إلى قيام الساعة .
وهذه الكتابة المسماة " افعل ولا حرج " هي الكتاب السادس عشر من كتب ما سُمي ( الإسلام اليوم ) ، وقد اشتملت على تهوين أمر المسائل الخلافية في الحج وانتقاء منها ما فيه ترخيص وتيسير غير منضبط ولو كان مرجوحًا أو شاذًا ، وهي من التجديد غير السديد .
توسعه في الاستدلال بحديث : ( افعل ولا حرج )
الثاني : قال الكاتب ( ص 63 ) : ( ومع هذا جعل الله في الحج سعة لا توجد في غيره من العبادات ، ومن هذا ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه ، فجاءه رجل فقال : لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ؟ فقال : اذبح ولا حرج ، فجاء آخر فقال : لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، فما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قُدًّم ولا أُخًّر إلا قال : افعل ولا حرج ) ، وهكذا يحسن أن يكون شعار المفتي فيما لا نص فيه أو في جنس ما أفتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - : افعل ولا حرج ) .
وأقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بأعمال يوم النحر الأربعة : الرمي ، ثم النحر ، ثم الحلق ، ثم الطواف ، وقد حصل من بعض الصحابة - رضي الله عنهم - فعل بعضها على خلاف ترتيبه ، فسألوه فأجابهم بأن لا حرج ، وجاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن ذلك يوم النحر ، وأنه ما سُئل عن شيء يومئذ إلا قال : ( لا حرج ) .
وجاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يدل على أن ذلك كان في مساء يوم النحر .
فقد روى البخاري في " صحيحه " : (1735) عن ابن عباس قال : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسأل يوم النحر بمنى ، فيقول : لا حرج ، فسأله رجل فقال : حلقت قبل أن أذبح ؟ قال : اذبح ولا حرج ، قال : رميت بعدما أمسيت ؟ فقال : لا حرج ) .
وروى البخاري : (1737) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - : ( أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم النحر ، فقام إليه رجل فقال : كنت أحسب أن كذا قبل كذا ، ثم قام آخر فقال : كنت أحسب أن كذا قبل كذا : حلقت قبل أن أنحر ؟ نحرت قبل أن أرمي ؟ وأشباه ذلك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : افعل ولا حرج ، لهن كلهن ، فما سُئل يومئذ عن شيء إلا قال ، افعل ولا حرج ) .
ورواه أيضاً مسلم : (3163) ، ولفظه : ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة ، فقال : يا رسول الله ! إني حلقت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، وأتاه آخر فقال : إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، قال : فما رأيته سُئل يومئذ عن شيء إلا قال : افعلوا ولا حرج ) .