الأشقياء هم المفلسون من الإيمان
"التوكل على الله" يصنع الكنوز.. ويهزم الظالمين
رافات_نماريد الشمال
بقلم الشيخ عائض القرني
الأشقياءُ بكلِّ معاني الشقاءِ همُ المفلسون من كنوزِ الإيمانِ ومن رصيدِ اليقينِ، فهمْ أبدا في تعاسةٍ وغضبٍ ومهانةٍ وذلَّةٍ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}.
لا يُسعدُ النفس ويزكّيها ويطهرُها ويفرحُها ويذهبُ غمَّها وهمّها وقلقها إلاَّ الإيمانُ بالله ربِّ العالمين، لا طعم للحياةِ أصلا إلاَّ بالإيمانِ.
إنَّ الطريقة المثلى للملاحدةِ إن لم يؤمنوا أن ينتحرُوا ليريحُوا أنفسهم من هذه الأغلالِ والظلماتِ والدواهي، يا لها منْ حياةِ تاعِسة بلا إيمان، يا لها منْ لعنةٍ أبديةٍ حاقتْ بالخارجين على منهج الله في الأرض {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، وقد آن الأوانُ للعالمِ أن يقتنع كلَّ القناعة، وأن يؤمن كلَّ الإيمانِ بـ"ألا إله إلا الله" بعْدَ تجربةٍ طويلةٍ شاقةٍ عبْرَ قُرونٍ غابرةٍ توصَّل بعدها العقْلُ إلى أن الصنم خرافةٌ والكفر لعنةٌ، والإلحاد كِذْبةٌ وأنّ الرُّسُلَ صادقون، وأنّ الله حقٌّ له الملكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٌ.
وبقدرِ إيمانِك قوة وضعفا، حرارة وبرودة، تكون سعادتُك وراحتُك وطمأنينتُك {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وهذه الحياةُ الطيبةُ هي استقرارُ نفوسِهم لَحُسْنِ موعودِ ربِّهم، وثباتُ قلوبِهم بحبِّ باريهم، وطهارةُ ضمائرِهم من أوضارِ الانحرافِ، وبرودُ أعصابِهِم أمام الحوادثِ، وسكينةُ قلوبِهم عند وقْعِ القضاءِ، ورضاهم في مواطن القدر؛ لأنهم رضُوا باللهِ ربًّا وبالإسلام ديِنا، وبمحمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا.
من أعظم ثمرات الإيمان
تفويضُ الأمرِ إلى اللهِ، والتوكلُ عليهِ، والثقة بوعدِهِ، والرضا بصنيعهِ وحُسنُ الظنِّ بهِ، وانتظارُ الفرجِ منهُ؛ من أعظمِ ثمراتِ الإيمانِ، وأجلِّ صفاتِ المؤمنين، وحينما يطمئنُّ العبدُ إلى حسنِ العاقبةِ، ويعتمدُ على ربِّهِ في كلِّ شأنِه، يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييدَ والنصرةَ.
رسولُنا وأصحابُه لما هُدِّدُوا بجيوشِ الكفار، وكتائبِ الوثنيةِ قالوا {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.
إنَّ الإنسان وحده لا يستطيعُ أنْ يصارع الأحداث، ولا يقاوم الملمَّاتِ، ولا ينازل الخطوبَ ؛ لأنه خُلِقَ ضعيفا عاجزا، إلا حينما يتوكلُ على ربِّه ويثقُ بمولاه، ويفوِّضُ الأمرَ إليه، وإلا فما حيلةُ هذا العبدِ الفقيرِ الحقيرِ إذا احتوشتْهُ المصائب، وأحاطتْ به النكباتُ {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
فيا من أرادَ أن ينصح نفسه.. توكلْ على القويِّ الغنيِّ ذي القُوَّةِ المتين، لينقذك من الويلاتِ، ويخرجك من الكُرُباتِ، واجعلْ شعِارَك ودثارَكَ "حسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ"، فإن قلَّ مالُك، وكثُرَ ديْنُك، وجفَّتْ موارِدك، وشحَّتْ مصادِرُك، فنادِ "حسبُنا اللهِ ونِعْمَ الوكيلُ".
وإذا خفتَ من عدوٍّ، أو رُعبْتَ من ظالِمٍ، أو فزعت من خَطْبٍ فاهتفْ "حسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل" {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}.
(*) نقلا عن كتاب "لا تحزن"