هل يجوز الإنابة أو الوَكَالة بالحَّج عن المُسنِّ الذي لا يَستَطيع السَّفر؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإنَّ الشَّخص الكبير الذي لا يَستَطيع أن يُؤدِي الحَجَّ بنفسه لِكِبَر سنٍّ أو لمرضٍ لا يُرجى بُرؤه - وهو ما يُسمِّيه الفقهاء المَعضوب - يجوز له أن يُوكِّل غيرَه ممَّن سبق له الحَجُّ في الحَجِّ عنه، وهو مذهب عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجمهور الأئمة ومنهم: الحَسَن، والثَّوري، وأبو حَنفية، والشَّافعيُّ، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وداود، وابن حزم.
وضابط الأمراض والعاهات التي تُجيزُ الإنابة:
هو كلُّ مَرَض يَعوق الإنسان عن السَّفر إلى الحَجِّ أو عن أدائه؛ فمن كان به ما أعاقه عن الحَجِّ المفروض، فإن كان يَرجو زوالَه فلا يجوز له أن يُنيب عنه غيره في حياته. وإن كان عاجِزًا عن الحَجِّ بنفسه عَجزًا لا يُرجى زوالُه؛ من زَمَانةٍ، أو مَرض لا يُرجى بُرؤه، أو كان شيخًا فانيًا لا يَستَطيع الاستقرار على المَركب إلا بمشقَّة شديدةٍ؛ فإنَّه في كلِّ ذلك يُعدُّ مَعضوبًا. فإن كان له مال ووَجَد أجيرًا بأُجرة المِثل، وجب عليه أن يُؤجِّرَه على أن يَحُجَّ عنه، بشرط أن يكون الأجير قد حَجَّ عن نفسه. وبهذا قال[الجمهور]، وقال الإمام مالك: "لا حَجَّ عليه مادام لا يَستَطيع الحَجَّ بنفسه". والرَّاجح قول الجمهور؛ لما ثبت في "الصحيحين" عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنَّ امرأة من خَثْعَم قالت: "يا رسول الله، إنَّ فريضة الله على عباده في الحَجِّ أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يَستَطيع أن يَثبُت على الرَّاحلة، أفأحُجُّ عنه؟" قال: ((نعم)). ولحديث أبي رَزين العُقَيلي: أنه أتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: "إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يَستَطيع الحَجَّ ولا العُمرة ولا الظَّعن"، فقال: ((حُجَّ عن أبيك واعتَمر))؛ رواه أحمد وأصحاب السنن، وقال التِّرمذيُّ: "حسن صحيح".
ولكن يُشتَرط في الحَجِّ عن الغير أن يكون الشَّخص الذي سَيَحُجُّ قد حَجَّ عن نفسه؛ لما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سمِع رجلًا يقول: "لبيك عن شُبْرُمة"، فقال: ((أَحَجَجْتَ عن نفسك؟)) قال: "لا"، قال: ((فحُجَّ عن نفسك، ثم حُجَّ عن شُبرُمة))؛ رواه أبو داود وابن ماجه.
كما اشترط الشافعيَّة والحنابلة وغيرهم إذن الوَكيل بالحَجِّ ممَّن سَيَحُجُّ عنه؛ قال ابن قُدَامة: "ولا يَجوز الحَجُّ ولا العُمرة عن حيٍّ إلا بإذنه - فرضًا كان أو نفلًا - لأنَّهما عبادة تَدخُلها النِّيابة؛ فلم يَجُز عن البالغ العاقِل إلا بإذنه كالزَّكاة".
فإذا لم يَجِد المعضوب مالًا يؤجِّر به غيرَه ليَحُجَّ عنه، أو وَجَد ولم يَجِد من يُنيبُه، أو وَجَده ولكن بأكثرَ من أجرة المِثل سَقَط عنه الحَجُّ،، والله أعلم.