1 - الحب سلوك
الحمدُ لله الغني الوهاب، والصلاةُ والسلام على خير من سعى إليه وأناب، وعلى آله وصحبه المهتدين، ومن سار بهديهم إلى يوم الدين.
مِنْ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الراعية للعشرة الزوجية، المُبْرزة لقيمة الحب بين الزوجين، وأثره البالغ في استمرار عشرتهما وتميزها ورقيها؛ قولُه صلى الله عليه وسلم فيما رواه المقدامُ بنُ معد يكَرِب: (إن الله يوصيكم بالنساء خيرًا، إن الله يوصيكم بالنساء خيرًا؛ فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم، إن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة وما يعلق يداها الخيط؛ فما يرغب واحدٌ منهما عن صاحبه حتى يموتا هرمًا).
سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم 2871).
إذ أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن صيانة حق الزوجة في الحب والاحترام، والتقدير والإكرام ليست سلوكًا اجتماعيًّا موروثًا أو مخترعًا؛ بل هي وصية الله تعالى المشتملة على عنايته ورحمته بخلقه، الدالة على تعظيمه لهذا الشأن، وأنَّ له عنده حرمةً لا يليق بالزوجين إهمالُها، أو الاستهانة بمنزلتها وأثرها.
وفي ضربِه صلى الله عليه وسلم المثلَ بصنيع أهل الكتاب في حب الزوجة وتقديرها إشارةٌ إلى أن أمته أحرى باتباع هذه الوصية العظيمة، وتأسيس العشرة الزوجية على قاعدتها، بل هي داخلة فيما أشهدَ اللهُ به أمةَ الإسلام على سائر الأمم من مظاهر الريادة.
ولا يخفى كم يجلب جهلُ هذا الشأن، أو الاستخفافُ به من شقاء الأسر وضياعها، وكم يسلب الحياةَ الزوجية من بواعث السكن والسلام؛ مع كون التعلق المتبادل بين الزوجين معنوي البذل، خفيف المؤنة؛ يحقق غاية الوئام بإهداء رمزي يثير رَغَب الفؤاد، أو كلمة قصيرة طيبة تذهب سورة العناد، أو إقبال بعد إدبار يمسك شعرة الوداد أن تقطع، أو حركة مشعرة بشوق تزيح جثمة فراغ يمزع الوجدان، أو دعابة قد تبدو زائدة؛ بيد أن دلالتها على المودة أعمق وأرضى، وأثرها في بث الدفء، وتفجير مَعِينه، وحياطته وإدامته أبلغ وأحلى.
فبالله كم يَفُوت الزوجين بالزهد في هذا الشأن من أسباب السعادة والنعيم الذي لا حد للذته وكماله، وكم له من الأثر في دفع داء الجفاء المُفضي حثيثًا إلى التنافر، وفتح الباب أمام وساوس الشيطان وكيده، فإنه لا يفرح بشيء فرحَه بالتحريش بين زوجين متحابين متطاوعين؛ قد لا يكون بينهما من الخلاف ما يؤدي إلى الانفصال؛ لكنهما محرومان مِن سَرِيّ زلالٍ تحتَهما لا ينالان منه، بل هو خلالهما؛ قد أودعه الرحمان في كيانيهما؛ كما قال تعالى: {وَمِن آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا. وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً..} [الروم: 31].
فدل الزوجين على أن السكن إلى بعضهما غاية الارتباط بينهما، ثم دلهما على معين هذا السكن الكفيل بصبه وصيانته، وأنه خلالهما قد فطرا عليه.
ومن أعجب ما قرأتُ لدى مفكري الغرب العقلاء وصايا للعالم النفساني (ستيفن كافي) تستحق التأمل والتسطير؛ ليس انصرافًا عن كتابات أعلامنا النبلاء ووصاياهم، ولكن تأكيدًا لما أشار إليه حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم الذي بنيت عليه هذه المقالة؛ فإن الذي أوصى به ستيفن –مما سأورده– صورة كاشفة لما نوه به النبي صلى الله عليه وسلم من التواد الدائم، والتعلق المستمر بين الزوجين من أهل الكتاب حين قال: (.. فما يرغب واحد منهما عن صاحبه حتى يموتا هرما).
وهي أيضًا فرصة لمن ألِف الأخذَ من ثقافة الغرب والإعجاب بسلوكهم أن سَداد بعضه القليل شاهد على فساد معظمه، وأن النموذج الاجتماعي الغربي المستطير فاسد؛ لا حد لأَدْوائِه المدمرة للقلوب والأبدان، وسنرى في آخر وصية (ستيفن كافي) كيف يحذر الأسر من أفلام هوليود العابثة بقدسية العشرة الزوجية؛ المدمرة لقيم الحق والطهر، الكفيلة برفع محلها إلى أعلى درجات النبل والشرف والسمو.
وقد لا يكون (ستيفن) من أهل الكتاب، لكن الذي ضمنه هذه الوصية الثمينة تفصيل دقيق صادق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ولا يزال للحق من الله حافظ بشاهد من كتاب لم يبدل، أو فطرة نقية، أو عقل سليم.
كان (ستيفن كافي) يتحدث في إحدى حلقات النقاش عن مفهوم (المبادرة)، فجاءه رجل –قد أثر فيه ما قال– فقال: (إني في غاية القلق.. لم أعد أنا وزوجتي نحس بالمشاعر نفسها التي كانت أول الزواج.. أعتقد أنني لم أعد أحب زوجتي، ولا هي أيضًا، فماذا عساي أن أفعل.. ؟).
سأله ستيفن: (لم تعد هناك مشاعر؟).
قال: (هذا صحيح، ولدينا أطفال يشغلنا مستقبلهم؛ فماذا تقترح؟).
أجابه ستيفن: (أَحِبَّ زوجتك!!!).
قال: (لكنني أخبرتك أنه لم تعد هناك مشاعر في علاقتنا!).
كرر ستيفن على مسامعه العبارة نفسها: (أحب زوجتك!!).
فأجابه: (أنت لا تفهم.. مشاعر الحب ليست موجودة!).
قال ستيفن: ( إذن: أحب زوجتك!..، إذا لم تكن مشاعر الحب موجودة فهذا مبرر كاف لأن تحب زوجتك!).
قال: (ولكن كيف تحب وأنت لا تحب؟!!..).
قال ستيفن: (يا صديقي! إن الحب سلوك!.. حب المشاعر ثمرة لحب السلوك..
إذن أحب زوجتك!.....
أخلص لها....
أنصت لحديثها....
اصبر عليها....
قدرها....
صدقها....
هل أنت راغب في ذلك؟...
لقد جعلتنا أفلام هوليود نصدق أن الحب مشاعر، وأن العلاقات الإنسانية يسهل التخلص منها، وأن الزواج والأسرة هما مسألة مزاج أو توافق؛ لا التزام أو استقامة.
هذه المفاهيم تشوه الواقع بدرجة كبيرة).
أخذت هذا الحوار من كتاب (العادات السبع للأسر الأكثر فاعلية) لـ(ستيفن كافي) ص 42، ط 2006 حسب الترجمة المحفوظة لمكتبة جرير.
وكان الفراغ من تنقيحه ظهر يوم الأحد 22 من ربيع الأول 1429هـ
الموافق 30 من مارس 2008م.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
منقول